Saturday, November 25, 2006
لقاء مع الموت
كانت تعدو مهرولة تشعر بأن هناك من يلاحقها ,تشعر بأن أنفاسه تقترب من أنفاسها,سطوته تكاد تشل حركتها ,ولكنه ظلت تعدو وتعدو حتى سقطت فى بئر مظلم لم ترى فيه شيئا سواه,سوى هذا الشبح المخيف,هذا الاَخر الذى كان ينتظرها طوال الوقت.
نظرت إليه بعين مملؤة رعبا تساءله من أنت ؟.فقال:أنا الحقيقة الوحيدة فى هذا الكون, فقالت:ليس هناك حقائق,الكون كله متغير, فقال لها: بلى أنا الحقيقة الوحيدة ...أنا الموت...ألم تعرفى إن الموت حق؟!.
زاد اندهاشها وأردفت قائلة:ولم تلاحقنى أنا أيها الموت؟!..:فنظر إليها بجمود الصخر وقال: لقد جاء موعد حسابك لذا الاحقك ,فقالت :عن أى يوم تتكلم ؟,فأجابها: يومك هذا الذى استهنتي به فى حياتك ,ولم تضعيه فى حسابك.أولم تتهاونى فى حق الله ورسوله..واستهترتي بكل القيم والمباديء؟, ألم تلقي بكل المثل عرض الحائط ؟.ألا تذكري إساءتك للأخرين..وقسوتك على جيرانك من المرضى والعجائز؟,ألا تذكري دسائسك للتوقيع بين زملائك وأصدقاءك..ورفضك مساعدة من يحتاج إليكي؟...تذكرى عقوقك لوالديك...تذكرى كذبك...تذكري...تذكري... تذكري ...تذكرى
قالت:كاذب لم أفعل كل ماقلته,أنت تفترى على. فرد عليها:بلى فعلتى؛وكل أعمالك مسجلة عليكى عندِ من لايؤخذ سنة ولا نوم.فكيف تجرؤين على على المجادلة...تذكري فقط ؛حتى تموتى وأنت على يقين إن الله ليس بظلام للعبيد.ثم نظر إليها وقال:أريدك أن تتذكري أيضا كتاب الله الذى تتعالى فوقه الأتربة منذ أعوام,ولم تمسه يدك أبد لتمسح عن غبار السنين ,تذكرى تلك الأيات الحكيمة التى كلما ذُ كرت عليك أغلقت المذياع ولم تخش أو تتعظ.
شعرت حينها وبعد هذا السيل من الاتهامات بأنها محاصرة من جميع الاتجاهات لاتجد منفذا للهرب ,فقررت الاعتراف ..وقالت:نعم ,تذكرت ولكنني لم أكن أصدق أنك اَتي. أرجوك أيها الموت أعطنى فرصة أخيرة وسأكون خيرا مما كنت عليه. لم يستطع الموت أن يستمع إلى كلامها السقيم, فتعاظم شبحه وتتأجج زئيره وقال:هذا يومك التى كنتي تكذبين,لن تنج منه.كانت لك فرص كثيرة لم تدركيها..لقد حان الوقت وكفاك جدلا وثرثرة. فصرخت :لا أرجوك.......أرجوك .......أرجوك........ .
ساد الصمت برهة قبل أن تخترقه صرخة مدوية تفزعها من نومها,وهى تمتم :لا.. أرجوك.لا أريد أن أموت. ظلت وقتا طويلا تحاول أن تستعيد واقعها لتدرك إنها مازالت حية,فأخذت تنظر إلى نفسها وتتحسس جسدها وهى تقول: نعم أنا على قيد الحياة ..الحمد لله ,وبدأت تتفحص حجرتها كأنها تراها لأول مرة ؛فعثرت على الحقيقة التى غابت عنها دائما , حقيقة تمثلت فى صورا شبه عارية على الحوائط , وملابس خجلت من نفسها أن تنظر إليها, وتذكرت تصرفات ارتكبتها لم تعد تددرى كيف ارتكبتها وأحست إنها هالكة لا محالة:فما لبثت أن انهارت بين دموعها تتحسر على أيامها تتساءل: هل يمكن أن يقبلني بعد ذلك؟ وأنا لم أكن يوما شاكرة أو ساجدة أو عابدة ....لا لن يقبلني ,لن يغفر لى, لقد أذنبت فى حقه ,فى حق ربي ..خالقي ووسيدي.وقالت: أنا لا استحق الحياة أن أكون من عباده. أحست إنها ضائعة, تغرق فى بحر الظلمات ,تبحث عن قشة تتعلق بها...حتى تذكرت كلامه معها عنه ,فقامت تبحث عنه فى كل مكان بجنون حتى وجدته تحت الأشياء المتناثرة فى حجرتها تعلوه الأتربة وهمت أن تفتحه , إلا إنها خاطبت نفسها: هل استحق أن امسك هذا القراَن العظيم ؟,هل تستحق عينى أن ترى اَياته؟...واستجوبت نفسها:كيف أغاوني الشيطان وأنساني ذكر الله الحكيم؟..لكنها مدت يدها المرتعشة ولمست كتاب الله وفتحته فإذا بها تجد تلك الأية أمام عينها بحروف من نور , فتقرأ :" ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله " .حينها لم تشعر بنفسها وأجهشت فى البكاء لاتدرى هل هى دموع الفرحة بقبول توبتها أم دموع الخجل من رحمة الله رب العالمين ,كانت تريد أن تطهرها دموعها من خطاياها .
وهنا سمعت ناء الحق .نداء فجر جديد وحياة جديدة .ولأول مرة تقوم لتتوضأ وتصلى ,وأقبلت على سجادة الصلاة لتقف بينها وبين رب العزة ليس بينها وبينه حجاب تدعوه فيسمعها ,تستغفره فيغفر لها..وبينما وهى تصلى فإذا ببقايا نفسها الاَثمة تأتي إليها , تستنكر عليها طاعاتها وحالها المستكين هذا ,تسألها أن تعود إلي متع الحياة اللاهية . فتجاهدها الفتاة جهادا بلا هوادة وتقرأ وهى متلعثمة لكثرة دموعها اَيات الله " يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم* الذى خلقك فسواك فعدلك * فى أي صورة ما شاء ركبك * ..فتجد بقايا نفسها الاَثمة تتلاشى بيعيدا عنها , فتختم صلاتها لتحس لأول مرة إ،ها ولدت من جديد , شعرت إن الله يحبها :فتذكرت وقتها ذلك اللقاء الرهيب التى رأته فى حلمها وأيقظها من سباتها الأبدى , فلولا لقاءه ,لقاء الموت لما أدركت إن الحياة فانية لا بقاء لها .وأخذت تقول لنفسها: ليت كل إنسان يذكر لقاء الموت ...إنه حقا لقاءا رهيب.......
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment